سورة آل عمران - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


قوله عز وجل: {فإن حاجوك} أي خاصموك يا محمد في الدين، وذلك أن اليهود والنصارى قالوا: لسنا على ما سميتنا به يا محمد إنما اليهودية والنصرانية نسب والدين هو الإسلام ونحن عليه فأمر الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يحتج عليهم بأنه اتبع أمر الله الذي هم يقرون به بقوله: {فقل أسلمت وجهي لله} أي انقدت له بقلبي ولساني وجميع جوارحي، وإنما خص الوجه بالذكر لأنه أشرف جوارح الإنسان الظاهرة إذا خضع وجهه لشيء فقد خضع له سائر جوارحه وقيل: أراد بالوجه العمل أي خلصت عملي لله وقصدت بعبادتي الله {ومن اتبعن} يعني ومن أسلم كما أسلمت أنا {وقل للذين أوتوا الكتاب} يعني اليهود والنصارى {والأميين} يعني مشركي العرب {أأسلمتم} لفظه استفهام ومعناه أمر أي أسلموا {فإن اسلموا فقد اهتدوا} يعني إلى الفوز والنجاة في الآخرة، فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية على أهل الكتاب قالوا: قد أسلمنا فقال لليهود: أتشهدون أن موسى كليم الله وعبد ه ورسوله فقالوا: معاذ الله وقال للنصارى: أتشهدون أن عيسى كلمة الله وعبد ه ورسوله فقالوا: معاذ الله أن يكون عيسى عبد اً قال الله تعالى: {وإن تولوا} أي أعرضوا {فإنّما عليك البلاغ} يعني تبليغ الرسالة. وليس عليك هدايتهم واختلف علماء الناسخ والمنسوخ في الآية فذهب طائفة إلى أنها محكمة، والمراد بها تسلية النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان يحرص على إيمانهم ويتألم لتركهم الإجابة، وذهب طائفة إلى أنها منسوخة بآية السيف لأن المراد بها الاقتصار على التبليغ وهذا منسوخ بآية السيف {والله بصير بالعباد} يعني أنه تعالى عالم بمن يؤمن وبمن لا يؤمن.


قوله عز وجل: {إن الذين يكفرون بآيات الله} يعني يجحدون القرآن وينكرونه وهم اليهود {ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس} كان أنبياء بني إسرائيل يأتيهم الوحي ولم يكن يأتيهم كتاب لأنهم كانوا ملتزمين بأحكام التوراة، فكانوا يذكرون قومهم فيقتلونهم فيقوم رجال ممن آمن بهم وصدقهم فيذكرونهم ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر فيقتلونهم أيضاً، فهم الذين يأمرون بالقسط يعني بالعدل من الناس. روى البغوي بسند الثعلبي عن أبي عبيدة بن الجراح قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة؟ «قال رجل: قتل نبياً أو رجلاً أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس} إلى أن انتهى إلى قوله: {وما لهم من ناصرين} ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً من أول النهار في ساعة واحدة، فقام مائة واثنا عشر رجلاً من عباد بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوهم جميعاً من آخر النهار في ذلك اليوم فهم الذين ذكرهم الله في كتابه» وأنزل الآية فيهم {فبشرهم بعذابٍ أليم} إنما دخلت الفاء في قوله فبشرهم مع أنه خبر إن لأنه في معنى الجزاء والتقدير من كفر فبشرهم بعذاب أليم يوم القيامة، وهذا محمول على الاستعارة وهو أن إنذار الكفار بالعذاب قام مقام بشرى المحسنين بالثواب، وفي هذه الاية توبيخ لليهود الذين كانوا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان أسلافهم الذين قتلوا الأنبياء لأنهم رضوا بفعلهم {أولئك الذين حبطت} أي بطلت {أعمالهم في الدنيا والآخرة} وبطلان العمل هو أن لا يقبل في الدنيا ولا يجازى عليه في الآخرة {وما لهم من ناصرين} يعني يمنعونهم من العذاب. قوله عز وجل: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب} أنزلت في اليهود {يدعون إلى كتاب الله} يعني القرآن، وذلك أن اليهود دعوا إلى حكم القرآن فأعرضوا عنه؟ قال ابن عباس: إن الله جعل القرآن حكماً فيما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحكم القرآن على اليهود والنصارى أنهم على غير الهدى فأعرضوا عنه. وروي عن ابن عباس أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بيت المدارس على جماعة من اليهود فدعاهم إلى الله عز وجل فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد على أي دين أنت يا محمد؟ فقال: «على ملة إبراهيم. قال: إن إبراهيم كان يهودياً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم» فأبينا عليه فأنزل الله الآية. فعلى هذا القول يكون المراد بكتاب الله التوراة. وروي عنه أيضاً أن رجلاً وامرأة من أهل خيبر زنيا وكان في كتابهم الرجم فكرهوا رجمهما لشرفهما فيهم فرفعوا أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم روجوا أن تكون عنده رخصة فحكم عليهما بالرجم. فقال النعمان بن أوفى وبحري بن عمرو: جرت عليهما يا محمد وليس عليهما الرجم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بيني وبينكم التوراة» فقالوا: قد أنصفت. فقال من أعلمكم بالتوراة؟ فقالوا رجل أعور يقال له عبد الله بن صوريا يسكن فدك فأرسلوا إليه فقدم المدينة وكان جبريل قد وصفه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أأنت ابن صوريا؟ قال: نعم قال: أنت أعلم اليهود بالتوراة. قال: كذلك يزعمون فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوراة وقال له: اقرأ فقرأ فلما أتى على آية الرجم وضع يده عليها وقرأ ما بعدها فقال عبد الله بن سلام: يا رسول الله قد جاوزها ثم قام ورفع كفه عنها وقرأها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اليهود وفيها: أن المحصن والمحصنة إذا زنيا وقامت عليهما البينة رجماً، وإن كانت المرأة حبلى تربص بها حتى تضع ما في بطنها، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باليهودية فرجما فغضبت اليهود لذلك» فأنزل الله عز وجل: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب} يعني علمهم الذي علموه من التوراة يدعون إلى كتاب الله يعني القرآن أو التوراة على اختلاف الروايتين {ليحكم بينهم} أي ليقضي بينهم وإضافة الحكم إلى الكتاب هو على سبيل المجاز {ثم يتولى فريق منهم} يعني الرؤساء والعلماء {وهم معرضون} يعني عن الحق وقيل الذين تولوا هم العلماء، والذين أعرضوا هم الأتباع.


{ذلك بأنهم} يعني التولي والإعراض إنما حصل بسبب أنهم {قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات} تقدم تفسيره في سورة البقرة {وغرّهم} أي وأطمعهم {في دينهم ما كانوا يفترون} أي يحلفون ويكذبون قيل: هو قولهم نحن أبناء الله وأحباؤه وقيل: هو قولهم: لن تمسنا النار إلاّ أياماً معدودات وقيل غرهم قولهم نحن على الحق وأنتم على الباطل {فكيف إذا جمعناهم} أي فكيف يكون حالهم إذا جمعناهم {ليوم} أي في يوم {لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت} أي لا شك فيه أنه كائن وواقع وهو يوم القيامة، وفيه تهديد لهم واستعظام لما أعد لهم في ذلك اليوم، وأنهم يقعون فيما لا حيلة لهم فيه وإن ما حدثوا به أنفسهم وسهلوه عليها تعلل بباطل وطمع فيما لا يكون ولا يحصل لهم. قيل: إن أول راية ترفع لأهل الموقف من رايات الكفار راية اليهود تفضحهم على رؤوس الأشهاد ثم يؤمر بها إلى النار {وهم لا يظلمون} أي لا ينقص من حسناتهم إن كانت لهم حسنة ولا يزداد على سيئاتهم. قوله عز وجل: {قل اللّهم مالك الملك} قال قتادة: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دعا ربه عز وجل أن يجعل ملك فارس والروم في أمته فأنزل الله هذه الآية. وقال ابن عباس: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وعد أمته ملك فارس والروم، فقال المنافقون واليهود: هيهات هيهات من أين لمحمد ملك فارس والروم وهم أعز وأمنع من ذلك ألم يكف محمداً مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم؟ فأنزل الله تعالى هذه الاية. وقيل: ان اليهود قالوا: والله لا نطيع رجلاً ينقل النبوة من بني إسرائيل إلى غيرهم فنزلت هذه الاية {قل اللّهم} معناه يا الله لما حذف حرف النداء زيد الميم في آخره. وقيل: إن الميم فيه معنى آخر وهو يا الله أمنا بخير أي اقصدنا مالك الملك أي مالك العباد وما ملكوا. وقيل: مالك السموات والأرض، وقيل معناه بيده الملك يؤتيه من يشاء وقيل: معناه مالك الملوك ومالك الملك ووارثهم يوم لا يدعي الملك أحد غيره. وفي بعض كتب الله المنزلة أنا الله ملك الملوك ومالك قلوب الملوك ونواصيهم بيدي، فإن العباد أطاعوني جعلتهم عليهم رحمة، وإن هم عصوني جعلتهم عليهم عقوبة فلا تشتغلوا بسبب الملوك ولكن توبوا إلى أعطفهم عليكم. وقيل: الملك هو القدرة والمالك هو القادر. والمعنى أنه تعالى قادر على كل شيء، وملك على كل مالك، ومملوك وقادر ومقدور. وقيل: معناه مالك الملك أي جنس الملك يتصرف فيه كيف يشاء {تؤتي الملك من تشاء} يعني النبوة لأنها أعظم مراتب الملك، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم له الأمر على بواطن الخلق وظواهرهم، والملك ليس له الأمر إلاّ على ظواهر بعض الخلق وهو من يطيعه منهم وطاعة النبي واجبه على الكافة {وتنزع الملك ممن تشاء} يعني بذلك نزع النبوة من بني إسرائيل وإيتاءها محمداً صلى الله عليه وسلم فإنه لا نبي بعده ولم يشركه في نبوته ورسالته أحد، وقيل: تؤتي الملك من تشاء يعني محمداً صلى الله عليه وسلم وتنزع اللمك ممن تشاء، يعني من أبي جهل وصناديد قريش وقيل تؤتي الملك من تشاء يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم وتنزع الملك ممن تشاء، يعني فارس والروم.
وقيل: تؤتي الملك من تشاء يعني آدم وذريته وتنزع الملك ممن تشاء يعني إبليس وجنوده الذين كانوا في الأرض قبل آدم. {وتعز من تشاء} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم بالنبوة والرسالة {وتذل من تشاء} يعني اليهود بأخذ الجزية منهم ونزع النبوة عنهم، وقيل: تعز المهاجرين والأنصار، وتذل فارس والروم، وقيل: تعز من تشاء يعني محمداً وأصحابه دخلوا مكة في عشرة آلاف ظاهرين عليها، وتذل من تشاء يعني أبا جهل وأضرابه حين قتلوا وألقوا في قليب بدر يوم بدر، وقيل: تعز من تشاء بالطاعة وتذل من تشاء بالمعصية، وقيل: تعز من تشاء بالغنى وتذل من تشاء بالفقر، وقيل: تعز من تشاء بالقناعة والرضا، وتذل من تشاء بالحرص والطمع {بيدك الخير} يعني النصر والغنيمة. وقيل: الألف واللام تفيد العموم والمعنى بيدك كل الخيرات. فإن قلت: كيف قال بيد الخير دون الشر. قلت: لأن الكلام إنما وقع في الخير الذي يسوقه الله تعالى إلى عباده المؤمنين وهو الذي أنكرته اليهود والمنافقون فقال: بيدك الخير تؤتيه أولياءك على رغم أعدائك. وقيل: إن قوله بيدك الخير لا ينافي أن يكون بيد غيره، فيكون المعنى بيدك الخير وبيدك ما سواه إلا أنه خص الخير بالذكر لأنه المنتفع به والمرغوب فيه. {إنّك على كل شيء قدير} يعني من إيتاء الملك من تشاء، وإعزازاً من تشاء وإذلال من تشاء.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8